الكارثة المنسية.. التغير المناخي يجتاح الحياة والموارد في المنطقة العربية

الكارثة المنسية.. التغير المناخي يجتاح الحياة والموارد في المنطقة العربية

تعتبر المنطقة العربية، مع حضارتها العريقة وثرواتها الطبيعية الهائلة، موطنًا لملايين البشر، ولكن يتعرض هذا الجزء من العالم لكارثة مدمرة تتسلل إلى حياة الناس وتترك آثارها القاتلة بسبب التغيرات المناخية. 

أكثر ما يتعرض له ويؤثر فيه التغير المناخي، الصحة العامة، والأمن الغذائي، والهجرة، والتوزيع العادل للموارد، والاقتصاد وكل ما يتعلق بالاستدامة وتوفير حياة جيدة للشعوب.

وتشير الأرقام إلى أن الكوارث الطبيعية المرتبطة بالتغير المناخي تتسبب في خسائر اقتصادية هائلة في المنطقة العربية، ووفقًا لتقرير للبنك الدولي، تقدر التكلفة الاقتصادية الناجمة عن الكوارث في الدول العربية بنحو 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا. 

هذا يعني أنها تشكل عبئًا كبيرًا على الاقتصاد المحلي وتعوق التنمية المستدامة.

ويعد القطاع الزراعي من القطاعات الحيوية في المنطقة العربية، ومع ذلك، يتأثر بشكل كبير بالتغير المناخي، ووفقًا لتقارير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO)، من المتوقع أن ينخفض إنتاج الحبوب في المنطقة بنسبة تصل إلى 40% بحلول عام 2050 نتيجة تغير نمط الأمطار وزيادة درجات الحرارة، ما يشكل تحديًا كبيرًا لتوفير الغذاء والأمن الغذائي في المنطقة. 

وتعتبر صناعة النفط مصدرًا رئيسيًا للإيرادات في العديد من الدول العربية، ومع زيادة التغير المناخي، يُتوقع أن يتأثر إنتاج النفط في المنطقة، ووفقًا لتقرير للجنة الطاقة في الكونغرس الأمريكي، فإن تغيرات المناخ قد تؤدي إلى تراجع في إنتاج النفط في الخليج العربي بنسبة تصل إلى 45% بحلول عام 2040، ما يستدعي الحاجة إلى التحول إلى مصادر طاقة متجددة وتنويع الاقتصادات المعتمدة على النفط. 

وللتغير المناخي تأثير كبير على قطاع الطاقة في المنطقة العربية، ومع التوجه نحو استخدام مصادر الطاقة المتجددة وتقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري، يتوقع أن تزداد تكاليف إنتاج الطاقة في المنطقة.

ووفقًا لتقارير الوكالة الدولية للطاقة، قد تزيد الاستثمارات المطلوبة لتحقيق انبعاثات منخفضة الكربون في الدول العربية بنحو 1.7 تريليون دولار بحلول عام 2040.

الارتفاع المتوقع في درجات الحرارة يمكن أن يتسبب في زيادة حالات الإجهاد الحراري والضربات الشمسية ومشاكل التنفس، كما يزيد من انتشار الأمراض المعدية المنقولة عن طريق البعوض مثل الحمى النزفية والملاريا. 

ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، يتأثر أكثر من 100 مليون شخص في المنطقة العربية بزيادة حالات الربو والأمراض التنفسية الأخرى، ومع استمرار ارتفاع درجات الحرارة وتلوث الهواء، يتوقع أن تزداد هذه المشاكل بشكل مزمن، ما يضعف صحة المجتمعات ويزيد من أعباء النظام الصحي. 

وتعد التغيرات المناخية القاسية سببًا رئيسيًا في زيادة حالات الهجرة في المنطقة العربية، فمع تفاقم الظروف البيئية غير المستدامة، يضطر الكثيرون إلى مغادرة منازلهم والبحث عن مؤونة أفضل. 

وفقًا لتقرير الاتحاد الدولي للهجرة، يعتبر التغير المناخي سببًا مباشرًا لتشريد ما يقدر بمئات الآلاف من الأشخاص في المنطقة العربية، ويعاني اللاجئون المناخيون من عدم وجود حماية قانونية ملائمة وإمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية، ما يزيد من آلامهم ومحنتهم. 

ويزداد النزاع وعدم الاستقرار في المنطقة العربية بسبب الصراعات المتصاعدة على الموارد المحدودة، يتسبب التغير المناخي في تناقص الأمطار والموارد المائية، ما يؤدي إلى توترات متزايدة بين المجتمعات والدول. 

وفقًا لتقارير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، يعاني نحو 220% من سكان المنطقة من نقص التغذية وسوء التغذية الناتجين عن تأثيرات التغير المناخي، كما يعاني الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن بشكل خاص من نقص العناصر الغذائية الأساسية، ما يؤدي إلى تشوهات النمو وضعف الجهاز المناعي وزيادة معدلات الوفيات.

وأكد خبراء هاتفتهم "جسور بوست"، أن التغير المناخي يشكل تهديدًا خطيرًا على الحياة البشرية في المنطقة العربية، كما يسبب تفاقم الصحة العامة، وارتفاع نسبة الجوع وسوء التغذية، وزيادة حالات الهجرة، وتوترات التوزيع العادل للموارد. 

تأثير التغيرات المناخية على مصر وآليات المواجهة - مركز الاهرام للدراسات  السياسية والاستراتيجية

التأثير على الهجرة

عبرت الحقوقية الأردنية نسرين زريقات، عن استيائها، بقولها، إن ما يحدث جريمة في حق شعوب المنطقة تقتضي حدوث ثورة على كل المتسببين في مثل هذا الكوارث البيئية، حيث تعد الهجرة المرتبطة بالتغير المناخي ظاهرة وتحديًا هائلاً يواجه المنطقة، وتعاني المناطق الساحلية من تصاعد مستوى سطح البحر وتكون عرضة للفيضانات، ما يجبر السكان على ترك منازلهم والتوجه نحو المناطق الداخلية، وبحسب تقرير منظمة الهجرة الدولية، تقدر أن عدد النازحين البيئيين في المنطقة يصل إلى ملايين الأشخاص سنويًا، ما يؤدي إلى تفاقم أزمة اللاجئين وتهديد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. 

وأضافت في تصريحات لـ"جسور بوست" بالطبع هذا يترك أثرًا غير عادل على توزيع الموارد بشكل كبير، ويعاني الفقراء والمحرومون بشكل أكبر من تلك التأثيرات، حيث يتم استغلالهم بشكل متزايد في المناطق الهشة والأكثر تأثرًا بالكوارث المناخية، كما تتسبب التغيرات المناخية في تفاقم الفقر والعدالة الاجتماعية، ما يؤدي إلى زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء والتمييز وعدم المساواة في الوصول إلى الموارد الأساسية.

واستطردت قائلة، إن تأثيرات التغير المناخي على الحياة البشرية في المنطقة ليست مجرد أرقام وإحصائيات، بل هي صرخة مكبوتة للألم والمعاناة، إذا لم نتخذ إجراءات عاجلة وفعالة للحد من تغير المناخ والتكيف معه، فإن المستقبل سيكون مظلمًا، ويجب على الحكومات والمجتمع الدولي أن يتحدوا ويعملوا بشكل مشترك لحماية البشرية والكوكب الذي نعيش عليه، لا يمكننا أن نقبل بأن تكون الدموع والألم هما مصير الأجيال القادمة. 

No description available.

نسرين زريقات

 التأثير البيئي

بدوره، علق الخبير البيئي، البيلي حطب، قائلا، إن المنطقة العربية تشهد تغيرات بيئية مرعبة تهدد التوازن الطبيعي للمنظومات البيئية، حيث تشهد العديد من البلدان العربية انحسارًا سريعًا للغابات والمسطحات المائية والتنوع البيولوجي، ومع استمرار ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع مستوى سطح البحر، فإن الأراضي الزراعية والمصادر المائية تتضاءل بشكل مخيف، ما يهدد الحياة الطبيعية والتوازن البيئي في المنطقة، وفي تقارير مختلفة للمنتدى الاقتصادي العالمي، كانت النتائج أن الدول العربية تتصدر قائمة الدول الأكثر تأثرًا بالتغير المناخي في العالم، ومع تزايد حدة العواصف الرملية والجفاف المستمر، تتدهور الأراضي الزراعية وتتضاءل فرص العيش الكريم للمزارعين والمجتمعات الريفية. 

وأضاف في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، إن تدهور البيئة يؤدي أيضًا إلى انقراض الكثير من الأنواع النادرة والمهددة بالانقراض، ما يفقد المنطقة تراثاً بيولوجياً لا يقدر بثمن، كما أن التداعيات الصحية للتغير المناخي أكثر رعبًا في المنطقة العربية، ومنظمة الصحة العالمية حذرت من ذلك كثيرًا، ويزيد التغير المناخي من خطر انتشار الأمراض المعدية، مثل الحمى النزيفية والملاريا والحمى القلاعية. 

ويتسبب ارتفاع درجات الحرارة في زيادة حالات الإجهاد الحراري وغيرها من المشاكل التي تعصف بصحة الإنسان، كما يتسبب ارتفاع درجات الحرارة في زيادة حالات الإجهاد الحراري وضعف جودة الهواء، ما يؤدي إلى زيادة في حالات الأمراض التنفسية والأمراض القلبية، كما يعاني الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الساحلية من تهديدات صحية جديدة بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر، حيث تغمر المياه المالحة المناطق السكنية وتلوثها، ما يتسبب في انتشار الأمراض المائية والتسمم. 

مدير اقتصاديات التنوع البيولوجي: تطوير المحميات الطبيعية تكلف 100 مليون  جنيه -حوار - بوابة الشروق - نسخة الموبايل

البيلي حطب

الأمن الغذائي والصحة في خطر

وعلق عضو مجلس النواب البحريني، علي زايد، بقوله، إن تنامي الخطر الذي يحدق بالصحة العامة في ظل تغير المناخ، لم يعد يحتاج إلى إحصائيات رغم أنها جميعًا تؤكد تدهور صحة المجتمعات العربية، فجميعنا يشعر بهذه التغيرات، حيث تتفاقم الآثار السلبية على الإنسان عامًا بعد عام، كما تشكل تهديدًا غامضًا على أمننا الغذائي، وقرأت أبحاثًا علمية كثيرة تفيد بأن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى زيادة تعرض الأفراد للأمراض المعدية والأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب والرئة، وتعتبر الأمواج الحارة المتكررة والجفاف والفيضانات المتطرفة ظواهر مناخية تهدد بشكل خاص الأطفال وكبار السن والفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع، وفي المنطقة، يتعرض العديد من الأشخاص لنقص الرعاية الصحية الأساسية والإمكانيات المحدودة للتكيف مع التهديدات المرتبطة بالتغير المناخي. 

وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن العديد من الأشخاص يعانون من تلوث الهواء الناجم عن انبعاثات الغازات الدفيئة، ما يؤدي إلى زيادة حالات الربو وأمراض الجهاز التنفسي.. تزايد التطورات المناخية المتطرفة، مثل تقلبات المطر وجفاف التربة، يؤدي إلى تدهور الإنتاج الزراعي وانخفاض العائدات الزراعية، ومع تواصل انتشار الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، تصبح المحاصيل الزراعية أقل قدرة على التكيف، ما يعرض الأمن الغذائي للخطر. 

علي زايد يفوز بمنصب النائب الثاني لرئيس مجلس النواب بالتزكية - صحيفة الأيام  البحرينية

علي زايد

تأثيرات اقتصادية وسياحية

وعن الجانب الاقتصادي والسياحي، تحدثت الكاتبة العامة للكونفدرالية الوطنية للسياحة بالمغرب، وصال الغرباوي، بقولها إنه وفي ظل تراجع قطاع السياحة، الذي يعتبر مصدرًا هامًا للدخل في العديد من الدول العربية، تتضاءل فرص التنمية وتراجع الاستثمارات، ويعاني قطاع الطاقة أيضًا من تحديات كبيرة، حيث يعتمد الاقتصاد العربي بشكل كبير على إنتاج النفط والغاز، والتغيرات المناخية تهدد استدامة هذه الصناعات وتعرضها للتراجع.

وصال الغرباوي

وأضافت في تصريحات لـ"جسور بوست"، تحتاج المنطقة العربية إلى تصدٍ جاد للتغير المناخي ومواجهة تحدياته بروح التعاون والابتكار، فمثلًا يجب على الحكومات والمجتمع المدني والمؤسسات الدولية أن تضاعف جهودها للحد من الانبعاثات الضارة وتعزيز الاستدامة في جميع القطاعات، من خلال اتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة، يمكننا أن نحمي الحياة البشرية والبيئة في المنطقة العربية ونسعى لمستقبل أفضل للأجيال القادمة.. إن الكارثة المنسية للتغير المناخي لا يمكن أن تستمر، ويجب أن نتحرك الآن قبل فوات الأوان.  



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية